الأسر اللبنانية تعيش على التحويلات

نشرت الإدارة المركزية للإحصاء تقديرات الحسابات القومية للبنان لعامَي 2022 و2023، التي تتضمن الناتج المحلي الإجمالي ومكوناته القطاعية. وتُظهر البيانات أن الاقتصاد اللبناني لا يزال في حالة ركود حقيقي رغم الزيادات الكبيرة في القيم الاسمية الناتجة من ارتفاع الأسعار، كما تبيّن أن الدخل القومي الإجمالي يصل إلى 31.5 مليار دولار بينما الدخل القومي المتاح يصل إلى 37.4 مليار دولار، ما يشير بوضوح إلى أن الأسر المقيمة في لبنان تعتمد بشكل أساسي في معيشتها على تحويلات المغتربين التي تموّل جزءاً مهماً من الإنفاق الداخلي.
قدّرت إدارة الإحصاء المركزي، الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 بنحو 2,760 تريليون ليرة لبنانية، مقابل 651 تريليون ليرة في عام 2022. وتعود هذه الزيادة الكبيرة في القيم الاسمية إلى التضخّم، إذ ارتفع مؤشر الأسعار العام (Deflator) بنسبة 321.8% في عام 2023، بعد زيادة نسبتها 151.1% في عام 2022.
وعند احتساب الناتج بأسعار ثابتة (أي بعد استبعاد أثر الأسعار)، يظهر أن النمو الحقيقي لم يتجاوز 0.5% في 2023 مقارنة مع 1.8% في 2022 و2.1% في 2021. وهذا يعني أن النشاط الاقتصادي لم يسجّل أي توسّع فعلي. وبالأسعار الجارية المحوّلة إلى الدولار الأميركي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي 31.6 مليار دولار، أي ما يعادل 59% من مستواه في عام 2019 (53.3 مليار دولار). وتشير هذه المقارنة إلى أن الاقتصاد اللبناني لا يزال أصغر حجماً مما كان عليه قبل الأزمة المالية.
وبلغ الدخل القومي الإجمالي، بحسب الإحصاء المركزي، نحو 2,752 تريليون ليرة لبنانية، أي ما يعادل 31.5 مليار دولار، بينما بلغ الدخل القومي المتاح 3,272 تريليونات ليرة، أي ما يقرب من 37.4 مليار دولار. ويُفسَّر الفارق بين المؤشرين بالتحويلات المالية من اللبنانيين في الخارج، التي ما تزال تؤدي دوراً أساسياً في تمويل الإنفاق الداخلي، وإن كان حجمها النسبي تراجع مقارنة بالسنوات السابقة.
يُظهر التحليل الذي نشرته إدارة الإحصاء المركزي أن الاستهلاك النهائي هو العنصر المهيمن في الاقتصاد. فقد بلغ إجمالي الاستهلاك النهائي (الخاص والعام) 3,152 تريليونات ليرة في عام 2023، أي ما يعادل 114% من الناتج المحلي. ويشكّل الاستهلاك الأسري الجزء الأكبر بنسبة تقرب من 110%، مقابل نحو 4% فقط للاستهلاك الحكومي.
أما الاستثمار الإجمالي (التكوين الرأسمالي) فبلغ 686 تريليون ليرة، أي ما يعادل 25% من الناتج المحلي. وتعود الزيادة في هذا البند بمعظمها إلى تغيّر الأسعار، بحسب ما تقرير الإحصاء المركزي، إذ لم يتجاوز النمو الحقيقي في الاستثمار 1.2%.
في المقابل، ظل العجز في صافي الصادرات كبيراً، إذ بلغ الفرق بين الصادرات والواردات نحو 39% من الناتج المحلي.
فقد سجّلت الواردات ما يعادل 64% من الناتج مقابل 25% للصادرات، ما يدل على استمرار الاعتماد الكبير على السلع والخدمات المستوردة.
من حيث الأنشطة الاقتصادية، بلغت القيمة المضافة الإجمالية في 2023 نحو 2,522 تريليون ليرة، بزيادة اسمية تقرب من 301% عن العام السابق، لكنها تُخفي تراجعاً طفيفاً في القيم الحقيقية بنسبة 0.9%.
ويظهر من توزيع الناتج على القطاعات أن القطاع العقاري استحوذ على النسبة الأكبر من الناتج المحلي (حوالى 22%)، تلاه قطاع التجارة والنقل بنسبة تقرب من 17%، ثم الخدمات الشخصية والتعليم والصحة الخاصة بنسبة 11%.
أما القطاعات الإنتاجية المباشرة فظلت محدودة المساهمة: الزراعة شكّلت نحو 3% من الناتج ونمت نمواً حقيقياً بنسبة 3.3%، في حين بقي القطاع الصناعي عند مستوى 15% من الناتج من دون نمو يُذكر.
قطاع المال والمصارف تراجع إلى حوالى 2% من الناتج المحلي بعد أن كان من أكبر المكونات قبل الأزمة، نتيجة انكماش النشاط المصرفي وضعف الإقراض.
أما قطاع البناء فسجّل تحسناً نسبياً (6.7%) انطلاقاً من قاعدة منخفضة جداً، بينما شهدت الفنادق والمطاعم تراجعاً حقيقياً بنسبة 31% بعد انتعاش مؤقت في 2022.
تشير بيانات الأسعار إلى ارتفاع شامل في مختلف المكوّنات. فارتفع مؤشر أسعار الاستهلاك الأسري بنسبة 268%، والاستهلاك الحكومي بنسبة 281%، والاستثمار بنسبة 196%، والصادرات بنسبة 189%.
أما أسعار الواردات فزادت بنسبة 163%، ما يعني أن معدل التضخّم داخل الاقتصاد اللبناني كان أعلى من معدل ارتفاع الأسعار المستوردة، وهو ما يدل على ضغوط داخلية في تكوين الأسعار نتيجة تراجع الإنتاج المحلي وتعدّد أسعار الصرف.
30 في المئة
هي نسبة الأنشطة غير الرسمية وغير المسجّلة من الناتج المحلي الإجمالي علماً أن هذا التقدير يستعمل في سياق عملية قياس تقديرية للواقع